الجمعة، 21 سبتمبر 2018

التكيف !!

من أكبر نعم الله ع الانسان نعمة التكيّف !! البكتيريا علي تفاهتها اتكيفت و عاشت و الديناصورات علي حجمها و هيبتها انقرضت لانها ما عرفتش تتكيّف مع تطور الحياة .. انك تتكيف مع الواقع بتاعك و تسايره و تتعامل معاه ببساطة من غير ما ده يسببلك مشكلة فأنت كدة ف نعمة ما بعدها نعمة .. لو انت من الناس اللي ربنا انعم عليها بالنعمة دي مش هتفهم معاناة الناس اللي ربنا حرمها منها .. زي سنانك كدة بالظبط ، طول ما هي سليمة انت بتآكل و بتشرب و بتفكر و بتحلم من غير مشاكل ، ما تحسش انها نعمة جليلة الا لما سنانك بتوجعك و حياتك بتقف .. بيبقي عندك استعداد تستغني عن هدومك حتي بس سنانك تخف !! عشان كدة دكاترة السنان أهم من اطباق الدش !! اعرف دكتور سنان حبيبي ممكن تقابل ربنا اسهل ما تحدد عنده ميعاد !! ما علينا .. من باب تبادل الخبرات أحب أعرفك ع النوع المحروم من نعمة التكـيّـف دي .. دول حضرتك بني أدمين زيك بالظبط .. ليهم نفس القوام التشريحي اللي عندك .. و بتقابلهم و بتصاحبهم و بتآكل و بتشرب معاهم .. في حين انهم مش بيبقوا شايفينك اساسا .. بيبقوا شايفين الدنيا من ورا لوح ازاز ، بيتفرجوا عليها مش بيعيشوها .. بيتعاملوا مع حياتهم علي انها فترة مؤقتة زي التجنيد كدة و لما تخلص هيعيشوا حياة تانية صح علي نضيف !! بيبقوا معاك جسديا انما دماغهم و روحهم بتبقي ف حتة تانية خالص .. ممكن يبقي واقف معاك بتاكلوا فول علي عربية الواد محمد بتاع السنترال و بيضرب الرغيف ف لقمة عشان يلحق الامضا و ريحة الفول ع البصل ع الناس ع السوق ع العادم بتاع العربيات عاملين مع بعض مزيج مميت تشمه يخنقك ، ف حين انه جوة دماغه بياكل جمبري چامبو مع ميجان فوكس علي شاطئ الريڤيرا الفرنسية و شامم بيرفيوم coma !!  و في نوع تاني عايش ف المدينة الفاضلة اللي جوة دماغه هو بس .. عاوز صاحبه يبقي زي اخوه و مراته بحنية أمه و شغله بيحقق ذاته ، تلاقيه بيقول لسواق التوكتوك حضرتك و لبياعة الاوطة يا مدام و للعيال بتوع تانية ثانوي اتفضل استريح  و بيقول للبقال أؤمر يا حبيبي !!
الناس دي مش مريضة نفسيا و الله ولا بطرانة علي حياتها .. دول أطيب خلق الله ، هم بس محرومين من نعمة ربنا انعم عليك انت بيها فمش هتحس بيهم .. فلما تقابل حد منهم ما تنصحوش عشان مش هيسمعك .. وما تحاولش تسمعه الكلام اللي هو بتاع احمد ربنا و انت احسن من غيرك و بكرة هتبقي كويس عشان هو ما عندوش نزلة شعابية !! هم بيتعاملوا مع الدنيا بهشاشة الشعوب و الدنيا بتعاملهم بجبروت الحكام !!  انت اتعامل معاهم عادي جدا و احمد ربنا ف سرك و قول الحمد لله الذي عافانا مما ابتلي به غيرنا و فضلنا علي كثير مما خلق تفضيلا !!
و بيني و بينك كلنا مرضي بعدم التكيف بشكل او باخر .. ما حدش راضي عن حياته بنسبة ١٠٠٪؜ الا اذا كان مجنو... !!
مجنون يعني علي رأي محمد رضا !!

الخميس، 20 سبتمبر 2018

اللقاء الثاني

" و لما تتلاقي الوشوش مرتين ، عمر الوشوش ما بتبقي نفس الوشوش " ..
كان مقطعا من مقدمة احدي المسلسلات العربية اللتي أطربت أسماعنا في تسعينيات القرن الفائت .. و سهولة الكلمات جعلتني أعتقد صدقها إلي أن ثبت كذب تلك الكلمات عندما رأيتها .. فتاة جميلة وقعت عليها عيناي مع مطلع الصبا منذ ما يقرب من ثلاثين عاما !! لم أتخيل مُذ ذاك اليوم أنها ستفارقني لحظة واحدة .كانت توأم الروح و شقيقة الفؤاد . ألقي الله محبتها في قلبي مع رزقي .. فأصبحت لا  أفعل شيئا مهما عظم شأنه أو صغر الا وهي في خلفيته .. كخلفية الwindows بلغة هذا الجيل !! أراها علي زجاج السيارة و انا أقود و علي كرسي المائدة الفارغ و أنا آكل و علي صفحات السماء عندما أدعو .. و هي وسادتي الخالية التي احتضنها و أنا نائم .. شاءت لنا الاقدار أن نفترق  بعد أن نزغ الشيطان بيننا .. و بعد أن أخذت منا الدنيا ما أخذت و تغير بداخلنا ما تغير التقيتها صدفة أمام إحدي الصيدليات ف أمسية تضاف إلي سجل الأمسيات النادرة التي لا   تنسي .. كانت خارجة من الباب و تنزل سلالم الصيدلية و أنا صاعد اليها فتقابلنا وجها لوجه بعد اثنتين و عشرين عاما !! هل سمعت يوما عن توقف الزمن ؟!  إن كنت قد سمعت و كذّبت هذا الزعم فأنا أؤكد لك صدقه إن كنت بي واثقا .. توقف الزمن و حال الجو المشمس الحار الخانق  فجأة الي ليلة خريفية عليلة النسيم .. خرجنا من إطار الزمن لحظات ساوت في عيني العمر بأكمله .. نظرت لحظات إلي عينيها فاستقام المعوّج و عاد الغائب و شفي المريض و غُفِر الذنب و قُبل التوب و روي الزرع و حلت البركة و غردت الطيور و نبت الزهر في حياتي .. كانت  الوحيدة التي تركت معها النسخة الأصلية مني ، فلما رأيتها استقامت كل خلية من خلاياي .. يقولون إن الانسان عند الموت يتذكر شريط حياته دون اغفال تفاصيل ، حدث هذا لي عند الحياة !! تذكرت ابتساماتنا و أغانينا  .. قبل تلك اللحظات كنت أتنفس ولا أعيش ، آكل ولا أشبع ، أضحك ولا أفرح ، فعشت و شبعت و فرحت مرة واحدة !! لم أدري كم مر من الوقت قبل أن استوعب أنها هنا .. علي بعد خطوات لا تجاوز أصابع اليد الواحدة .. ابتسمت هي فأعادت الدماء إلي الوريد .. تحدثنا قليلا ببضعة كلمات لا أذكر منها حرفا واحدا .. ثم واصلت الهبوط آخذة معها القلب و النبض .. ذلك النبض الذي كان يخفت رويدا رويدا بابتعاد خطواتها حتي خَـفَـتْ تماما ..  لتعود إلي حياتها و أعود إلي برزخي الذي لا أدري إن كنت حيّا فيه أم ميتا !! و ظل السؤال السرمدي قائما .. إذا كنت ( أنا ) قد أصبحت ( أنا ) الذي أعرفه لثواني قليلة عندما رأيتها ، فما كان حالي لو كان القدر رحيما بي عن هذا و عشت معها عمري بأكمله ؟! تركتني بعد أن جعلتني أعرف الفرق بين الحياة و الموت ..
كنت قد نسيت لماذا أردت الذهاب إلي تلك الصيدلية بالأساس فعدت أدراجي بخطي متثاقلة لاختفي في زحام الحياة ..

الخميس، 19 أبريل 2018

ابويا ..

كان مدرس التربية الرياضية يعتقد أن الرعب من  مستلزمات السيطرة علينا كأطفال في الصف الخامس الابتدائي و كنا نختبيء في بعضنا عندما يمر ليتفقد الصف في حصته التي رفض أن نلمس الكرة فيها إلا بعد أن نحضر '' الزي الرياضي '' و إذا أتت الحصة القادمة و لم نكن أحضرناه فسوف يفعل فينا ...و قال ''شيئا سيئا جدا '' ... كنت أكرهه و أتجنبه لأنني تيقنت رغم حداثة سني أنه يعاني عقدة ما !!
و مر الأسبوع و نسيت أمر الزي الرياضي .. و عندما وقفت أمام مكتبي لأحضر الجدول صعقت عندما رأيت الحصة الثالثة ... فقد كانت '' ألعاب '' شعرت بفزع الدنيا و هرولت إلي حجرة أبي الذي كان يرتدي ملابسه ليذهب لعمله .
- بابا !!
-  نعم .. اشجيني !!
- مدرس الألعاب عاوز لبس رياضي و قال لنا بس أنا نسيت و الحصة النهاردة و اللي مش حيجيب حيبهدله !!
-  ههههههههه حاضر ياسي هاني ... هي الألعاب الحصة الكام ؟!
- التالتة
- طيب يا سيدي ... حاضر
ثم ذهب إلي عمله و توجهت إلي مدرستي ..
انتهت الحصة الثانية و تعالت دقات قلبي مع سماع الجرس ... نزلنا إلي الفناء و بدأ صوت النحيب يعلو بيننا ليستعطف ذلك القلب الحجري و لكن هيهات .. فقد كان يجلس في الظل ممسكا بخيرزانة ميتة القلب ، و يستمتع بالبكاء الجماعي لكل هؤلاء الأطفال !!
في تلك اللحظة شعرت بطيف أبي خلف البوابة الحديدية ممسكا بشنطة ورقية صفراء ... رفعت يدي و بمكر طفولي قلت للمدرس :
- بابا جاي عاوز يسلم علي حضرتك ... و أشرت تجاه البوابة ...
 قام المدرس و فتح البوابة لتبتلعه ضحكة أبي الذي كان يحمل شنطة الزي وبعض زهور عصفور الجنة ملفوفة باهتمام .
- هاني ابني بيشّكر في حضرتك أوي .. و من فرحته إن حصة الألعاب النهاردة ... نسي ياخد اللبس !!
ابتسم المدرس و كانت أول و آخر مرة أراه فيها يبتسم  و أبي يناوله الزهور ... و يناولني الشنطة !!
عندما عاد أبي من العمل في ذلك اليوم كنت أنتظره علي الباب الخارجي لمنزلنا لأعانقه و أشكره ... ضحك بصوته الحبيب و هو يقول لي :   كنت حآخد النهاردة أجازة ''عارضة ''عشان ألحقك في الحصة التالتة ... بس قلت خليني علي ذمة الشغل علشان لو قتلت المدرس المعقد ده ... أطلع منها !!
ثم عانقني وتعالت ضحكاته الطيبة وكأنها سرب حمام يلوح في الأفق ...
اذا بحث كل منا عن موقف يشبه ذلك مع ابيه فليدعو له ان كان من أهل الدنيا ، و ليترحم عليه ان كان من أهل الآخرة ..  فوالدينا كانوا جزءا من حياتنا في حين كنّا نَحْن كل حياتهم . لم يروا منا غير القلق و الهم و تعب التربية ، ولما جاء خيرنا تمتع به غيرهم 😢